القسم الحالي: المعاملات المالية
الدرس الهبة
إنَّ الله -عز وجل- كريمٌ يحب الجود والكرم، وكان رسول الله ﷺ أجود النَّاس، وكان يقبل الهديَّة ويثيبُ عليها، ويدعو إلى قبولها، ويرغِّب فيها، وكان العطاءُ من أحبِّ الأمور إليه ﷺ.
تمليكُ عين بلا عِوَض في الحال.
وقولنا: تمليك؛ إشارة إلى أن عقد الهبة من عقود التمليك.
والمراد بالعين: مطلق العين، ويدخل فيها الأعيان الماليَّة وغيرها.
و مصطلح "تمليك العين" أخرج "هبة المنافع" لسببين:
وخرج بقيد "التمليك" الإبراء من الدَّين، ولو كان بلفظ الهبة؛ لأن الإبراء يعتبر إسقاطًا.
تطلق الهبة على الهديَّة والعطيَّة، والجميع داخل في باب البرِّ والإحسان، والصِّلة والمعروف.
حُكم الهِبة
الهبة مستحبة؛ لما فيها من تأليف القلوب، وتحصيل الأجر والثواب، وحصول المحبة والمودة. وقد دلَّ الكتاب العزيز والسنَّةُ الشريفةُ والإجماعُ على استحباب الهبة.
حثَّ الشرع على الهبة لما فيها من تطهير النفوس من رذيلة البخل والشح والطمع، ولما فيها من تأليف القلوب، وتوثيق عُرى المحبة بين الناس، خاصة إذا كانت لقريبٍ، أو جارٍ، أو ذي عداوةٍ. فقد تحصل الخصومات، ويقع التنافر والتدابر، وتنقطع صلة الأرحام، فتأتي الهبة والهدية لتصفية القلوب، وإزالة كل ما يسبب الفرقة بين الناس. ومن وهب شيئاً ابتغاء وجه الله تعالى فإنه ينال الأجر والثواب.
عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا". (البخاري 2585).
وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المُرسَلة» (البخاري 6، ومسلم 2308).
أركان الهبة
اتفق العلماء على أن الإيجاب ركن من أركان الهبة، واختلفوا في غيره. فالهبة تنعقد بالإيجاب وحده (وهو صدور ما يدل على الوهب من الواهب)، ولكن لا يملك الموهوب له العين إلا بالقبول والقبض، فالقبول والقبض لترتب الآثار لا لقيام العقد.
شروط الهبة
اختلف العلماء في اشتراط كون الموهوب معلوماً غير مجهولٍ، وفي اشتراط أن يكون الموهوب مقسوماً غير مُشاع.
من أهدى هدية لمسؤول أو موظف أو غيره؛ لجلب مصلحة لا حق له فيها، كان حراماً على المُهدي والمهدَى إليه؛ لأن ذلك من الرشوة الملعون آخذها ومعطيها.
وإن أهداه هدية ليكفَّ ظلمه عنه، أو ليعطيه حقه الواجب له، فهذه الهدية حرامٌ على الآخذ، ولكن يباح ذلك للمعطي حفظاً لحقه ودفعاً لشرِّ الآخِذ.
عَنْ أبِي حميد الساعدي رضِيَ اللهُ عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له ابن الأُتَبِيَّة على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي، فهلَّا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيُهدى له أم لا. والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيراً له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تيعر"، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه. "ألا هل بلغت؟" ثَلاثاً.(البخاري 7174، ومسلم 1832). الخُوار: صوت البقرة. الرُّغاء: صوت الإبل. العُفرة: بياض مشوب بالسُّمْرة. تَيْعَر: تصيح وتصوت صوتاً شديداً.